الولايات المتحدة تُجيز علاجاً ثورياً للوقاية من الإيدز عبر حقنتين سنويتين
الولايات المتحدة تُجيز علاجاً ثورياً للوقاية من الإيدز عبر حقنتين سنويتين
أجازت السلطات الصحية الأمريكية استخدام علاج وقائي جديد ضد فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، في خطوة اعتُبرت "تاريخية" على طريق القضاء على الفيروس، بحسب ما أعلنت شركة "غلياد ساينسز" المصنّعة للدواء.
وأكّدت الشركة أن العلاج الجديد، الخميس، الذي يحمل اسم "يزتوغو" (Lenacapavir)، يُمثل نقلة نوعية في استراتيجيات الوقاية، إذ يُعطى على شكل حقنتين فقط في السنة، مقارنة بالعلاجات التقليدية اليومية التي تُستخدم ضمن ما يُعرف بـ"الوقاية قبل التعرض" (PrEP)، وفق وكالة "فرانس برس".
ويُتوقع أن يُحدث هذا الابتكار تحوّلاً كبيرًا في آلية الوقاية، خصوصًا في صفوف الفئات الأكثر عرضة للفيروس، بما في ذلك الفئات المهمّشة في البلدان النامية.
نتائج تُقارب اللقاح
أظهرت التجارب السريرية للعلاج فعالية فاقت 99.9% في منع انتقال الفيروس لدى البالغين والمراهقين، مما جعله أقرب ما يكون إلى لقاح فعلي ضد الفيروس الذي أودى بحياة أكثر من 40 مليون شخص حول العالم منذ ظهوره في الثمانينيات.
وأكدت الشركة أن الدواء بات متاحًا في السوق الأمريكية للمراهقين والبالغين الذين يزيد وزنهم على 35 كغم، ممن يواجهون خطر الإصابة بالفيروس أو يرغبون في الوقاية منه.
وأشاد الرئيس التنفيذي لشركة "غلياد"، دانيال أوداي، في بيان صحفي، بالموافقة الرسمية، قائلاً: "إنه يوم تاريخي في مسيرة مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية".
وعدّ مراقبون هذا الإنجاز العلمي، إلى جانب علاجات أخرى طوّرتها "غلياد" مثل "سنلينكا"، يُمثل تحوّلًا في مجال الطب الوقائي المرتبط بالإيدز.
إنجاز يواجه تحديًا اقتصاديًا
أثار سعر العلاج المرتفع جدلاً واسعًا في الأوساط الصحية والحقوقية، إذ يبلغ سعر "يزتوغو" السنوي نحو 28,218 دولارًا، ما يجعله بعيد المنال بالنسبة للملايين في الدول الفقيرة، رغم أهميته الوقائية القصوى.
وردّت شركة "غلياد" على هذه الانتقادات بالتأكيد على أنها تتوقع تغطية تأمينية واسعة في الولايات المتحدة، وتعمل على خفض تكلفة العلاج في الأسواق الدولية عبر اتفاقيات للدواء الجنريك.
حذّرت ويني بيانيما، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز (UNAIDS)، من أن "دواءً يغير قواعد اللعبة، لا يغير شيئًا إذا بقي بعيدًا عن متناول الفقراء".
ودعت الشركة إلى خفض سعر الدواء وزيادة الإنتاج، محذّرة من أن إبقاء العلاج محصورًا بالنخبة يهدد بإهدار فرصة تاريخية للقضاء على الوباء.
أمل كبير معلق بالإرادة السياسية
كشفت تقديرات بحثية نُشرت في مجلة "لانسيت" أن تكلفة إنتاج الجزيء الفعّال في الدواء لينكابافير لا تتجاوز 25 إلى 46 دولارًا فقط، مما يُعيد طرح أسئلة حادة بشأن هامش الربح الكبير الذي تفرضه شركات الأدوية الكبرى.
وفي هذا السياق، تعهدت "غلياد" بإتاحة إنتاج الدواء بسعر منخفض لأكثر من 100 دولة نامية، من خلال اتفاقيات ترخيص لمصلحة شركات تصنيع محلية.
وسبق للشركة أن طوّرت علاج "سنلينكا" للاستخدام مع مرضى مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، باستخدام نفس الجزيء الفعّال، ويبلغ سعره نحو 39,000 دولار سنويًا.
وطوّرت شركات أخرى، مثل "فيف هيلثكير"، علاجًا مشابهًا يُعرف باسم "أبريتيود"، يُعطى كل شهرين عبر الحقن، ويُباع هو الآخر بآلاف الدولارات.
وتعرضت خطط التوزيع العالمي للعلاج لمخاطر إضافية بسبب سياسات التقشف وخفض التمويل في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث تم تقليص الدعم لبرامج مكافحة الإيدز في البلدان النامية، ما حدّ من قدرة المبادرات الأممية على توفير العلاجات الجديدة للفئات الأكثر تضررًا.
هل اقتربنا من إنهاء الإيدز؟
يُعد اعتماد "يزتوغو" إنجازًا علميًا يُضاف إلى سلسلة ابتكارات في مجال مكافحة الإيدز، في وقت تتراجع فيه نسب الإصابة عالميًا بفضل الوعي والدواء والوقاية.
غير أن الفجوة بين الشمال والجنوب، وبين الأغنياء والفقراء، لا تزال قائمة وتُهدد بإطالة أمد المرض في مناطق مثل إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية.
وأكدت الأمم المتحدة أن خفض تكلفة هذه العلاجات وتحقيق العدالة الصحية يمثلان الطريق الوحيد نحو هدف القضاء على الإيدز بحلول عام 2030، وحتى ذلك الحين، يبقى نجاح العلاج مرهونًا بإرادة الشركات الكبرى، وبتعاون الحكومات والمنظمات الدولية.